يعتبر جبل البركل من أشهر المواقع الأثرية في السودان حيث يضم مدينة الملك
بعانخي القديمة ومعبد امون رع والكهف الموجود في الجبل ليجسد بذلك حقبة تاريخية
نادرة وضاربة فى عمق التاريخ بكل تفاصيلة والاهرامات التى تحيط به من الجانب
الغربى فضلا عن التماثيل الحجرية الكثيرة التى تتناثر امام مدخل معبد آمون
موقع الجبل
عندما تتجه لعبور نهر النيل باتجاه الشرق من مدينة مروي التاريخية العريقة
فى شمال السودان فأول ما يلفت نظرك تلك الكتلة الصخرية الضخمة السوداء التي تتوسط الصحراء
ولا تلبث ان تجد نفسك أمام طبيعة ساحرة، فقد عاش الإنسان في هذا المكان قبل ان يدون
التاريخ كما يقول مؤرخون وعلماء آثار، انه "جبل البركل" الموقع الأثري المهم
الذي دخل أخيراً ضمن التراث العالمي الواجب حمايته دولياً.
اكتشاف التاريخ
منذ قرون ظلت منطقة الجبل مكاناً لهجرات مختلفة وبعثات أثرية من كل أركان
تجوب باستمرار المكان تنقب في تاريخ ضارب في القدم وسكان المنطقة لا يأبهون كثيراً
بهذه الحركة الغريبة ولا يكترثون تماماً كالجهات الرسمية التي ظلت تغض طرفها وكأنها
تقول كما يقول الأهالي هناك دع هؤلاء الغربيين يحركون هذه الحجارة والصخور الصماء،
كما يشاءون هذا هو الانطباع الذي كان قائماً إلى وقت قريب، إلا ان صحوة رسمية جاءت
متأخرة بدأت تبرز من سنوات ليس بالكثيرة حيث أقامت الحكومة قرية سياحية بمعاونة مستثمرين
أوروبيين وماتزال هناك مساعٍ جارية لاستعادة آلاف القطع الأثرية التي نهبت من المكان
اضافة إلى طموحات سياحية في مشروع يهدف إلى اقامة فنادق ومنتجعات لجذب السياح غير انه
لم ير النور إلى الآن.
بداية
التاريخ
يعد جبل البركل واحداً من أشهر المواقع الأثرية التي يعود تاريخها لفترات
مملكة نبتة القديمة، ويعتقد علماء آثار انه كان العاصمة الدينية للمملكة إذ يشتمل على
معابد متعددة وأهرامات نصبت على الطراز الفرعوني تحاصرها الرمال من كل جانب، كما يوجد
معبد "الإله موت" بجزئه المنحوت في باطن الجبل، فضلاً عن قصور أشهرها قصر
الملك "نتكامني".
ويشكل الجبل الواقع شمال مدينة كريمة معلما تأريخيا بارزا يربط الحاضر
بماض امتد لقرون طويلة إذ ما يزال يقف شامخاً يحمل على سفحه وفي جوفه أساطير وحقائق
وأسراراً صامتة ومغامضة تماماً كنقوش الكتابة "الهرغلوفية" التي حيرت الجميع.
تقسيم
الحضارة
يقسم استاذ الآثار بجامعة الخرطوم فائز فترات حضارة الجبل لثلاث حقب زمنية
متفاوتة الأولى انطلقت قبل ان يعرف الإنسان التاريخي وتسمى "حضارة كوش ونبتة ومروي
التي تشكل في مجملها اسطورة دينية مدونة في نصوص قديمة تحكي تاريخ هذا الجبل العتيق.
ويضيف فائز قائلاً: الدراسات الأثرية تؤكد ان جبل البركل جبل تاريخي امتدت
سمعته منذ عام 1580ق.م وحتى اليوم وهو فترة العصر الحجري القديم وكل الآثار والشواهد
القائمة في الجبل حسب رموز الكتابة الهيلوغروفية إلا ان حضارة البركل سبقت الحضارة
الفرعونية القديمة في مصر.
اساطير
الجبل
قصة هذا الجبل طبقاً للأبحاث المتداولة هي عبارة عن اسطورة دينية معقدة
تحكي تاريخ المنطقة الممتدة من مدينة اسوان جنوبي مصر وحتى البركل حيث كان قدماء المصريين
يعتقدون بأن الجبل هو نهاية الدنيا أو عالمهم الروحي، والآثار الموجودة على الجبل تدل
انه كان قبلة رئيسية لعبدة الإله امون راع المعبود الوحيد في تلك الفترة وكان ملوك
الجبل يمتلكون خداماً وحشما داخله ويعتقد الناس ان أمون هذا هو جبل البركل نفسه.
وتشير اسطورة متداولة إلى ان احدى ملكات الفراعنة قصدتها إلهة الشر وحاولت
قتلها ونجت الملكة بنفسها وهاجرت إلى الجنوب لتستقر في منطقة الجبل وأتى أحد ملوك الفراعنة
يدعى (امليتو) لإرضائها وإرجاعها إلى مصر ورضيت ورجعت لكنها عادت مرة أخرى إلى الجبل
وهذه تعرف حسب مؤرخين بأسطورة الرأس المقدس.
ويتشكل الجبل من مجموعة كتل تمثل ثلاثة مقرات ضخمة كانت عبارة عن معابد
أكبرها خاص بالملك أو الإله والأخريات خاصات بزوجاته، وعلى قمة الجبل توجد كتلة
صخرية أشبه بالإبرة
تتمتع الصخرة المنفصة عن الجب فى الاتجاه الشرقى بأهمية كبيرة وهي عبارة
عن رمز للمليكة المقدسة بالاضافة إلى معبد آخر بعيد يعرف بمعبد "دوت" وهو
كان خصص لولادة "الملكات" يقمن داخله طوال فترة الحمل يضعن بداخله كما قال
استاذ بارز في قسم الآثار بكلية الآداب جامعة الخرطوم.
وهناك رموز أخرى على الجبل من الحجر في شكل ثعبان يعرف بثعبان الكوبرا
وصورة لإنسان يعرف بقرص الشمس وعلى رأسه تاج وكوبرا أما هذه الآثار من حيث الأهمية
فأهمها هو معبد آمون الكبير الذي يشكل بيت الزعامة الدينية وهو كائن بمثابة الأماكن
المقدسة حيث يأتي إليه الناس حجاجاً في كل عام باعتباره مكاناً مقدساً ورمزاً دينياً
مهماً.
اطلال
نبتة
لاحظ الرحالة الأوربيون جبل البركل للمرة الأولى في عام 1820 وتعرفوا
بطريقة صحيحة على الأطلال المحيطة به بوصفها أطلال نبتة القديمة، والتي كانت عالقة
في الذاكرة حينها عن طريق النصوص الكلاسيكية بوصفها كانت موضوعاً للحملة الرومانية
في عام 24 ق.م. في العقود اللاحقة، زار رحالة آخرون الموقع وقدموا وصفاً له وجلبوا
تماثيل وآثاراً منقوشة بالكتابات من هنا للمتاحف في القاهرة، ولندن، وبرلين. مسلة النصر
العظيم للملك بيَّا، والتي وجدت هنا في عام 1862، أثارت زوبعة عندما ترجمت للمرة الأولى،
وحفزت فيردى لوضع اوبرا " عايدة" في عام 1874. إلى جانب تأكيد هذه المسلة
على حقيقة احتلال الملوك "الإثيوبيين" (الكوشيين) لمصر في القرن الثامن ق.م.،
فقد كشفت أربع مسلات أخرى وجدت معها عن انه وفي منتصف الألفية الأولى السابقة للميلاد،
ظلت نبته وجبل البركل مركزاً رئيساً للعبادة وللتتويج في مملكة كوش المستقلة
بداية التنقيب
هكذا ظل الحال إلى الأعوام 1916 حتى 1920، حينها بدأت أولى أعمال التنقيب
العلمية في جبل البركل. دعمت تلك الأعمال بالتمويل المادي من جامعة هارفارد ومتحف بوسطن
للفنون الجميلة، وأشرف عليها جورج ريزنر بعد التنقيب في خمسة وعشرين مدفناً هرمياً
صغيراً إلى الغرب من الجبل، عمل ريزنر في مركب المعابد، وكشف عن سبعة معابد وقصرين،
كاشفاً عن المزيد من النقوش التاريخية والتماثيل الأكثر أهمية. في وقت متزامن نقب ريزنر
في جبانتين قريبتين، الكرو ونورى. وجد في هاتين الجبانتين الأخيرتين، مدافن الملوك
الخمسة الذين حكموا مصر وأسسوا أسرتها الخامسة والعشرين، إلى جانب مدافن ملكاتهم، وأسلافهم
والتي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع ق.م. وخلفائهم إلى القرن الثالث. وفي عام
1920 وسع ريزنر أعماله أبعد إلى الجنوب إلى مروى (البجراوية- المترجم)، ونقب كل الأهرام
في محاولته تتبع الأسماء غير المعروفة والتواترات للحكام الكوشيين حتى نهاية القرن
الميلادي الرابع. لقد كان ذلك العمل واحد من أعظم الإنجازات في مجال علم الآثار الحديث.
مع أن ريزنر اكتشف القليل من مسلات المملكة الحديثة وتماثيلها في جبل
البركل، فإن بقايا المعابد الفرعونية لم تبق باستثناء أساسات بعض مباني المعابد الفرعونية.
الجزء الأعظم مما تبقى من أطلال في الموقع يرجع إلى الفترة ما بعد منتصف القرن الثامن
ق.م.، وهو الوقت الذى أصبحت فيه نبتة المركز الديني الرئيس للدولة السودانوية التى
نعرف شيئاً عنها. على مدى ستة عقود (تقريباً 712 - 661 ق.م(.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق